الرياضات الروحية
الرياضات الروحية سواء الشرعية أو الشيطانية كما تقدم ذات آثار روحية ملكوتيه مع الفوارق المتقدمة، وقد يعبر عنها بالطاقات الروحية، فلنذكر بعض أبعاد الرياضات الروحية الشرعية المسماة بالعبادات: وهو ما قد يسمى بتجسم الأعمال أي أن الأعمال سواء كانت صالحة أو طالحة تتجوهر بجسم ذي روح تؤثر على روح ونفس الإنسان وتتبعها، وتتعايش معه روحيا وتتحدث معه في عقله الباطن وأعماق روحه، وإن لم يرها بحسه الظاهر لكنه يتحسسها بقواها الباطنة ويستشعرها بسريرته المطوية، ومن ثم تراه تارة ذا نفس مطمئنة وأخرى مضطربة أو في ضنك وضيق يكاد يصعد، فالإنسان بأعماله الجارحية والجوانحية والقلبية مصنع لخلق جواهر روحانية بأجسام غير مرئية.
ففي رواية سعد الخفاف عن الإمام الباقر "عليه السلام": «... قال: قلت: جعلت فداك يا أبا جعفر وهل يتكلم القرآن؟ فتبسم ثم قال: رحم الله الضعفاء من شيعتنا إنهم أهل تسليم، ثم قال: نعم يا سعد والصلاة تتكلم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى قال سعد: فتغير لذلك لوني، وقلت: هذا شيء لا أستطيع أنا أتكلم به في الناس، فقال أبو جعفر "عليه السلام : وهل الناس إلا شيعتنا فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقنا، ثم قال: يا سعد أسمعك كلام القرآن قال سعد: فقلت: بلى صلى الله عليك فقال: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر فالنهي كلام، والفحشاء والمنكر رجال، ونحن ذكر الله، ونحن أكبر.
وفي موثق عمار عن أبي عبد الله "عليه السلام": «ومن صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية وهي تهتف به تقول: حفظك الله كما حفظتني وأستودعك كما استودعتني ملكا كريمة، ومن صلاها بعد وقتها من غير عله فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة وهي تهتف به ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ولا رعاك الله كما لم ترعني.
وموثق أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر"عليه السلام" يقول: إن الصلاة إذا ارتفعت في أول وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول: حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعتني ضيعك الله.
ورواية هشام الجواليقي عن أبي عبد الله تكيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله «من صلى الفريضة لغير وقتها رفعت له سوداء مظلمة تقول له: ضيعك الله كما ضيعتني." وروي: الرحم تتكلم بلسان طلي ذلق؛ تقول: صل من وصلني».
وفي صحيح أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور فيهن صورة هي أحستهن وجها وأبهاهن هيئة وأطيبهن ريحا وأنظفهن صورة قال: فتقف صورة عن يمينه وأخرى عن يساره وأخرى بين يديه وأخرى خلفه وأخرى عند رجليه وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه، فإن أتي عن يمنه منعته التي عن يمينه ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست قال: فتقول أحسنهن صورة: من أنتم جزاكم الله عني خيرا؟ فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة ،وتقول التي بين يديه: أنا الصيام، وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة، وتقول التي عند رجليه: أنا بر من وصلت من إخوانك، ثم يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا وأبهانا هيئة فنقول: أنا الولاية لآل محمد.
منظومة الرياضات الروحية
يتوفر الكثير من الآيات القرآنية والأبواب الروائية على منظومة من الرياضات الروحية وتنمية قدرات الكمال في النفس، ولنذكر جملة مختصرة من النقاط في ذلك:
الاولى
الإلمام بالثقافة والمعرفة العقائدية، فإن العقائد أكبر قلعة حصن وأعظم غرفة تحكم لشؤون الروح ومساراتها وأحوالها، ولثباتها أمام الزلازل والهزات التي تتعرضى لها.
الثانية
القراءة والتدير أو الدراسة لجملة من المنابع من الآيات والروايات في هذا المجال:
- كالحكم المذكورة في كتاب نهج البلاغة.
- الصحيفة السجادية.
- كتاب عيون الحكم والمواعظ لليثي.
- كتاب غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي.
- كتاب تحف العقول.
- الجزء الثاني من كتاب الكافي.
- أبواب جهاد النفس.
- أبواب العشرة في كتاب الوسائل.
الثالثة
القراءة والتدير و الدراسة لجملة من الكتب في هذا المضمار:
- كشروح الحكم القصار في نهج البلاغة كشرح ابن ميثم.
- شروح الصحيفة السجادية كرياض السالكين للسيد علي خان المدني.
- شروح كتب الروايات المتقدمة المتضمنة للحكم الأخلاقية.
الكتب الأخلاقية للأعلام مثل:
- محاسبة النفس: وهو عنوان لعدة تأليف للأعلام كالسيد رضي الدين علي بن طاووس والشيخ إبراهيم الكفعمي.
- أسرار الصلاة: وهو عنوان قد ألف فيه العديد من الأعلام كالشهيد الثاني العاملي والميرزا جواد الملكي التبريزي وغيرهما.
الرابعة
ذكر كثر من الأعلام أنماط كثيرة من الرياضات الروحية تؤدي ممارستها وادمانها الوصول الى مراتب كمال النفس نذكر نبذة منها:
- الأذكار الدينية يتوسط الأسماء والصفات الإلهية سواء اللفظية أو الفكرية أو القلبية.
- محاسبة النفس اليومية، بل في كل الأنات.
- تغيير الصفات الرذيلة وتبديلها بصفات فضيلية بنحو التدريج.
- إثارة الشوق والتوقان والمحبة القلبية لله تعالى وللنبي ولأهل بيته صلوات الله عليهم وللإثارة آليات عديدة.
- الدعاء والنجوى بأبوابه المختلفة المتنوعة وإدمانها.
- إدمان التوجه القلبي في الصلاة والدؤب والاستمرار في التركيز الفكري والقلبي للتوقي عن غفلة وسهو القلب.
- الزيارات للنبي ولأهل البيت صلوات الله عليهم والنجوى الفكرية والقلبية بكلمات الزيارة.
- الانقطاع لله تعالى وإدمان التوسل بالنبي وبأهل البيت صلوات الله عليهم.
- التفكر، ولهذه الرياضة آليات منها زيادة الاطلاع والمعرفة العلمية بالعقائد، ومنها الاعتبار أي التدير في مظاهر الخلقة في الآفاق والمقادير.
- زيادة الاطلاع والمعرفة النظرية بمفاهيم الفضائل والرذائل والتدير في معانيها والتذوق لحالاتها التي تمر بالروح والنفس سواء في بعد معناها اللغوي أو التخصصي من علم الأخلاق أو البيانات الروحية في الآيات والروايات، فإنه له بالغ النفع في معايشة حقائق الأخلاق والالتفات إلى حالات الروح وشؤون النفس.
تعليقات
إرسال تعليق