ادلة بعض العلماء على حرمة العزائم
من قال بحرمة قراءة العزائم اســتدل لحرمتها بعدة دلائل وهذه الدلائل هي كالاتي.أولا: أحاديث النهي عن الرقي بغير القرآن
قال ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن ابن التين
(كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسـمائه خاصـة وباللسـان العربي الذي يعرف معناه ليكون بريئا من الشـــرك، وعلى كراهة الرقى بغير كتاب الله علماء الامة وقال القرطبي: الرقى ثلاثة أقسام، أحدها ما كان يرقى بـه في الجـاهليـة ممـا لا يعقـل معنـاه فيجـب اجتنـابـه لئلا يكون فيـه شرك أو يؤدي إلى الشرك.الثاني: ما كان بكلام الله أو بأسـمائه فيجوز، فان كان مأثورا فيسـتحب.
الثـالـث: مـا كـان بـأســــمـاء غير الله من ملـك أو صـــــالح أو معظم من المخلوقـات كـالعرش، قـال: فهـذا ليس من الواجـب اجتنـابـه ولا من المشـروع الذي يتضـمن الالتجاء إلى الله والتبرك بأسـمائه فيكون تركه أولى، الا أن يتضــمن تعظيم المرقى به فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير الله تعالى.
قلـت: ويـأتي بســــط ذلـك في كتـاب الايمـان إن شــــاء الله تعـالى وقـال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقى بكتاب الله وما يعرف من ذ كر الله، قلـت: أيرقي أهـل الكتـاب المســــلمين؟ قـال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله ا هـ.(اي انتهي كالم ابن التين) .
وفي " الموطـأ " أن أبـا بكر قـال لليهوديـة التي كـانـت ترقي عـائشـــــة: ارقيهـا بكتـاب الله وروى ابن وهـب عن مـالـك كراهـة الرقيـة بـالحـديـدة والملح وعقد الخيط والذي يكتب خاتم ســـليمان وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم.
وقال المازري: اختلف في اســترقاء أهل الكتاب فأجازها قوم وكرهها مـالـك لئلا يكون ممـا بـدلوه وأجـاب من أجـاز بـأن مثـل هـذا يبعـد أن يقولوه، وهو كالطب سـواء كان غير الحاذق لا يحسـن أن يقول والحاذق يأنف أن يبدل حرصــا على اســتمرار وصــفه بالحذق لترويج صــناعته والحق أنه يختلف باختلاف الاشـخاص والاحوال وسـئل ابن عبد السـالم عن الحروف المقطعة فمنع منها ما لا يعرف لئلا يكون فيها كفر).
نقل المحدث النوري عن كتاب دعائم الاسـلام في باب حكم الرقى
(الحديث الاول) دعائم الاســــلام، عن رســــول الله ص: أنه نهى عن الرقي بغير كتـاب الله عز وجـل ومـا لا يعرف من ذكره وقـال هـذه الرقى ممـا أخذه ســــليمـان بن داود (ع) على الانس والجن والهوام.روى ايضاً:
(الحـديـث الثـاني) وعن علي (ع) أنـه قـال: من جـاء عرافـا فســــألـه و صــــدقه بما قال فقد كفر بما أنزل الله على محمد (ص) وكان يقول إن كثيرا من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الاشراك.
جـاء في كتـاب طـب الائمـة تحـت عنوان "مـا يجوز من العوذ والرقى والنشر"
(الحديث الثالث) إبراهيم بن مأمون قال: حدثنا حماد بن عيســــى عن شـعيب العقرقوفي عن أبي بصـير عن أبي عبد الله قال: لا بأس بالرقى من العين والحمى والضـرس وكل ذات هامة لها حمة إذا علم الرجل ما يقول لا يدخل في رقيته وعوذته شيئا لا يعرفه.
(الحديث الرابع) محمد بن يزيد بن ســليم الكوفي قال: حدثنا النضــر بن ســويد عن عبد الله بن ســنان عن أبي عبد الله (ع) قال: ســألته عن رقية العقرب والحية والنشرة ورقية المجنون والمسحور الذي يعذب قال يا ابن سـنان لا بأس بالرقية و العوذة والنشـرة إذا كانت من القرآن ومن لم يشـفه القرآن فلا شـفاه الله وهل شـيء أبلغ في هذه الاشـياء من القرآن أليس الله جـل جلالـه يقول وننزل من القرآن مـا هو شــــفـاء ورحمـة للمؤمنين أليس يقول تعـالى ذكره وجـل ثنـاؤه لو أنزلنـا هـذا القرآن على جبل لرأيته خاشـعا متصـدعا من خشـية الله سـلونا نعلمكم ونوقفكم على قوارع القرآن لكل داء.
وقال تحت عنوان " بعض الرقى شرك "
(الحـديث الخـامس) أحمـد بن محمـد بن مســــلم قال: ســــألت أبا جعفر محمد الباقر (ع) أنتعوذ شــيء (بشــيء) من هذه الرقى؟ قال الا من القرآن فان عليـا كـان يقول: إن كثيرا من الرقى والتمـائم من الاشراك.
مناقشة الأحاديث الشيخ مصطفى الامامي
اولا: هذه الأحاديث من كتابي دعائم الاسـلام للقاضـي نعمان المصـري وكتـاب طـب الائمـة (ع) لابني بســــطـام وروايـات هـذين الكتـابين للأرسال غير معتمدة عند المشهور من العلماء.
ثانيا: لا يوجد نهي صــــريح يدل علي التحريم في هذه الروايات فمثال في الحـديـث الاول يقول: "أنـه نهى عن الرقى بغير كتـاب الله عز وجـل" هـذا المقطع من الحـديـث يـدل على الوجـه الاول لجواز الرقيـة وهو الرقية بالقرآن والمورد الثاني من جواز الرقية هو وما لا يعرف من ذكره اي انـه لا يجوز الرقيـة بمـا لا يعرف مصـــــدره وبعبـارة اخرى الرقي المجهولة المصــدر منهي عنها وبالمفهوم المخالفة نعرف انه يجوز الرقي بما يعرف مصدره و معلوم ممن اخذ وكأن رسول الله يقول نعم توجـد عزائم معروفـة المصـــــدر و هي بـاقيـة من زمن النبي سـليمان وكان سـليمان بهذه الرُقيات يتحكم بالأنس والجن والهوام والرقي بها جائز، وهي هذه العبارة وقال هذه الرقى مما أخذه سليمان بن داود (ع) على الانس والجن والهوام.
الحـديـث الثـاني: قلـت ان المقطع الاول يتكلم عن العراف وهو خـارج عن محـل الكلام وامـا المقطع الثـاني قولـه (ع): "وكـان يقول إن كثيرا من الرقى وتعليق التمائم شــــعبة من الاشــــراك " نقول نعم كثير من العزائم يمكن ان تكون شـــيطانية وشركيه لكن كلامنا حول التحريم الكلي اي تحريم كل انواع العزائم وهذا لا يظهر من الحديث.
الحـديث الثـالث: "لا بأس بالرقى... إذا علم الرجل ما يقول ال يدخل في رقيته وعوذته شـيئا ال يعرفه" قلت الكلام في هذا الحديث يشـترط علم الراقي بما يقوله حتى لا يخرج من فمه كفريات وتوسـلات بالشـياطين وهـذا لا يحرم كـل العزائم لان من يقرئهـا يـدعي معرفـة معنـاهـا فمثال الغزالي شرح كثير من العزائم.
اما الحديث الرابع: فهو ايضـا تأكيداً منه على الرقية بالقرآن لا انه ينفي ويحرم الرقيـة بغيره حيـث انـه مر عليـك ان الائمـة (ع) كـانوا يرقون اولادهم ويوصـون شـيعتهم بقراءة العزائم كعزيمة علي ابن ابي طالب (ع) وهذا الكلام ايضـا يجري في الحديث الخامس: " عليا كان يقول: إن كثيرا من الرقى والتمائم من الاشراك."
ثانياً: قالوا انها من اقسام السحر
كما مر عليك في المبحث السـابق فان العلماء وأصحاب الاختصـاص في هذه العلوم عدوا العزائم من جملة السـحر ومنهم صـاحب الايضـاح والعلامة المجلسي صاحب البحار حيث قال في اقسام السحر الذي نقله عن الفخر الرازي هذا الكلام.ونحن ننقل لك ما قاله الرازي في تفسيره عن العزائم.
(النوع الثالث من الســحر: الاســتعانة بالأرواح الارضــية، واعلم أن القول بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاســــفة والمعتزلة، أما أكـابر الفلاسـفـة فانهم مـا أنكروا القول بـه الا أنهم ســــموهـا بالأرواح الارضــية وهي في أنفســها مختلفة منها خيرة ومنها شــريرة، فالخيرة هم مؤمنو الجن والشــريرة هم كفار الجن وشــياطينهم، ثم قال الخلف منهم: هـذه الارواح جواهر قـائمـة بـأنفســــهـا لا متحيزة ولا حـالـة في المتحيز وهي قادرة عالمة مدركة للجزئيات.
واتصـال النفوس الناطقة بها أسـهل من اتصـالها بالأرواح السـماوية ، الا أن القوة الحاصـــلة للنفوس الناطقة بســـبب اتصـــالها بهذه الارواح الارضـية أضـعف من القوة الحاصـلة إليها بسـبب اتصـالها بتلك الارواح السـماوية، أما أن الاتصـال أسـهل فلأن المناسـبة بين نفوسـنا وبين هذه الارواح الارضـية أسـهل، ولان المشـابهة والمشـاكلة بينهما أتم وأشـد من المشـاكلة بين نفوسـنا وبين الارواح السـماوية، و أما أن القوة بسـبب الاتصـال بالأرواح السـماوية أقوى فلأن الارواح السـماوية هي بالنسـبة إلى الارواح الارضـية كالشـمس بالنسـبة إلى الشـعلة، والبحر بالنسـبة إلى القطرة، والسلطان بالنسبة إلى الرعية.
قالوا: وهذه لأشياء وإن لم يقم على وجودها برهان قاهر فلا أقل من الاحتمال والامكان، ثم إن أصـحاب الصـنعة وأرباب التجربة شـاهدوا أن الاتصــال بهذه الارواح الارضــية يحصــل بأعمال ســهلة قليلة من الرقى والـدخن والتجريـد، فهـذا النوع هو المســــمى بـالعزائم وعمـل تسخير الجن.
وقد فصلنا هذا الكلام في مبحث الطلاسم.
ثالثاً انها خرافة
قال العلامة الحلي ان العزائم خرافة لكنها ليســت من الســحر حيث قالالثالث: إن كان للســحر حقيقة فهو ما يعد في العرف ســحرا، مثل ما روي أن النجاشـي دعا السـواحر فنفخن في إحليل عمارة بن الوليد فهام مع الوحش، فلم يزل معها إلى إمارة عمر بن الخطاب، فأمسـكه إنسـان، فقال: خلني والا مت، فلم يخله فمات من ساعته.
وقيل: إن بعض الامراء أخذ سـاحرة، فجاء زوجها كأنه محترق، فقال: قولوا لها: تحل عني، فقالت: ائتوني بخيوط وباب، فأتوها به، فجلســت على البـاب، وجعلـت تعقـد فطـار بهـا البـاب فلم يقـدروا عليهـا. فهـذا وأمثاله، مثل أن يعقد الرجل المتزوج، فلا يطيق وطء امرأته، هو السـحر المختلف فيـه. فـأمـا الـذي يقـال من العزم على المصروع ويزعم أنـه وهو عنـدي يجمع الجن ويـأمرها فتطيعـه، فلا يـدخـل تحت هـذا الحكم باطل لا حقيقة له، وإنما هو من الخرافات).
" كون الشيء من الخرافـة والاراجيف في نظر العلامـة لا يحرم حلالاُ ويحلل حراما، فلا معنى لتحريم العزائم اذ ليس كل خرافة حرام شرعاً ما دامت لم تخالف ما جاء به الشرع."
العزائم التي لم ترد عن طريق اهل البيت (ع)
جواز قراءة العزائم كله مصـبوب في العزائم التي نقلت من أحاديث اهل البيت (ع)، فمـا حكم العزائم التي لم تنقـل في كلامهم وهذه العزائم كثيرة ننحن نقـل بعضها ونناقش حكمها.
العزيمة الجلجلوتية
هذه هي قصـــيدة معروفة بالدعوة الجلجلوتية مشـــتملة على اســـماء باللغة السريانية وننقلها لك عن كتاب شمس المعارف الكبرى لمؤلفه احمد بن علي البوني قال الشـيخ آقا بزرگ الطهراني في هذه القصـيدة(755 :التائية) القصيدة الطويلة، في علم الحروف والاسرار وبعض الطلاسم البالغة إلى المائتين والخمسين بيتا مطلعها
(بدأت ببسم الله روحي به اهتدت * إلى كشف أسرار بباطنه انطوت)
أورد البوني أحمـد بن علي المتوفر ســــنـة 622 ،مقـدارا من أولهـا إلى نيف وخمســين بيتا في الجزء الاول من شــمس المعارف الكبرى (ص 82 (وأورد كثيرا منها السـيد عبد الله البلادي المعاصـر نزيل أبو شـهر في كشـكوله الموسـوم ب "سـحاب اللئالي" وطبع بعض منها مسـتقال في النجف ســنة 1356 في ورقة بعنوان الدعاء والحرز، ورأيت النســخة التامة منها البالغة إلى المأتيين وخمســين بيتا ضــمن مجموعة في مكتبة الحاج المولى علي محمد النجف آبادي بالحســينية في النجف الاشــرف وكتب عليها - بعض المتأخرين إمضـائه بخطه - عبد الحسـين الحائري أن هذه الجلجلوتية وفيها دعاء لأمير المؤمنين (ع)، وإضــــافات فوائد مـا رأيتهـا في ســـــائر الكتـب).
إنمـا ســــميـت بـذلـك لوجود لفظ جلجلوت في القصـيدة وقد ضـمنها ناظمها القصـيدة الميمية المنسـوبة إلى أمير المؤمنين علي (ع) في عمل الطلسـم المعروف بين أهل الدعاء من قوله (ع)
(ثلاث عصي صفقت بعد خاتم * على رأسها مثل السنان المقوم)
وأورد صـاحب الرياض مقدارا من هذه الميمية فيه حاكيا له عن الشـيخ أبي علي الطبرســــي بطريق روايتـه عن الرئيس أبي البـدر أنـه قـال (ســــمعـت عن ثقـة أن أمير المؤمنين علي بن أبي طـالـب (ع) رأى هـذا الطلسـم في صـخرة فذكر أنه الاسـم الاعظم وفسـره بهذه الميمية) ولكن صـورة بعض أرقام هذا الطلسـم بما هي موصـوفة في الميمية تخالف ما ضمنه الناظم في التائية بقوله:
(ثالث عصي صفقت بعد خاتم * على رأسها مثل السهام تقومت)
وينسب إلى علي (ع) أيضا طلسم آخر في ثمانية أبيات طائية أولها:
(خمس هاءات وخط فوق خط * وصليب حوله أربع نقط)
وناظم التائية هذه وإن لم نشــخصــه باســمه لكن تضــمينه لكلام أمير المؤمنين (ع) يكشف عن حسن حاله فراجعه.
تعليقات
إرسال تعليق