التخاطر
لعل التخاطر هو أكثر الظواهر الباراسايكولوجية شيوعاً وأكثرهـا قبـولاً لدى جميع العلماء سواء كانوا علماء نفس أم علمـاء في الباراسايكولوجي، كما أن التخاطر هو أكثر موضوع بحث مـن قبلهم في دورات المناقشات والندوات والمؤتمرات حوله كما أنه أكثر الظواهر قرباً إلى التصديق وذلك لكثـرة تـكـرار حالاته ولدى أشخاص يمرون بأحداث عصيبة وينتقل تأثيرها إليه بمجـرد فـراغ ذهنه ولو للحظة واحدة من الانشغالات اليومية.ولا زال التخاطر يأخذ دوره الأول عند كل حديث عن ظواهر الباراسايكولوجي وعنـد أي لقـاء أو حـديث حوله، ومما يذكره الكتاب الباراسايكولوجين هـو أن محاولات دراسة التخاطر بدأت في نهاية القرن الماضي إلا أن من أوائل الدراسات الدقيقة هي مـا قـام بـه عالم نفس من جامعة ستانفورد خلال الحرب العالمية الأولى ويـدعى الدكتور كوفر.
حيث استخدم مجموعة من أوراق اللعب استبعد منها الصور بحيث تكونت من 40 ورقة وجعل من المعلومات أي الذي سيقوم بالتخاطر ينظر إلى ورقة ما، بينما يقوم المستقبل بتخمين الرقم المكتوب عليها واستخدم كوفر في تلك التجربة مائة مرسل ومائة مستقبل كل منهما في غرف منفصلة.

وبلغ عدد التخمينات عشرة آلاف، وجعل نصـف التخمينـات يـتـم أثنـاء نـظـر المرسـل إلى الورقة، بينما يتم نصفها الثاني دون النظر إلى الورقة، ولم تخرج أي مجموعـة مـن التخمينات عن حدود ما هو متوقع لهـا وفـق قاعـدة الصدفة فكان هناك 294 تخميناً صحيحاً من العشرة آلاف وكان المتوقع وفق الصدفة هو 250 أما احتمال ألا يكون ما تحقق راجعاً إلى الصدفة فكانت نسبته 160/ 1 وهي نسبة معقولة في مقابل الصدفة.
وبسبب خـبر عـن التـخـاطر أثـير الاهتمام في الاتحـاد السوفيتي بالباراسايكولوجي، حيث نشرت إحدى الصحف الفرنسية عام 1959 عن تجارب للتخاطر في غواصة ذرية أمريكيـة تـدعـى نـاوتيلوس، وذكرت أيضاً أن اتصالات لخاطرية بين الغواصة والبر تتم على الوجه الصحيح حتماً عندما تغطس الغواصة إلى الأعماق وطرح السؤال هل التخاطر سلاح سري جديد هل ستلعب القوة الخارقة أو الإدراك فوق الحسي دوراً حاسماً في الحروب المقبلة، وتابعت الصحافة الفرنسية قولها هل نجح العسكريون الأمريكيون في اكتشاف سر قوة الروح).
كان هذا الخبر قد انتشر في الاتحاد السوفيتي انتشاراً مذهلاً وأثيرت القضية بشكل استثنائي أمام العلماء الروس وهكذا أخذ الدكتور ليونيـد فاسيليف عـالم الفيزيولوجيا ينبه إلى أن هناك تجارب كثيرة أجريت في مراستالينا عـن الموضـوع إلا أنه منع نشرها آنذاك، وآثار الموضوع في كلمة ألقاها أمام هيأة لأكبر علماء الاتحاد السوفيتي عام 1960 وذلك بمناسبة الاحتفـال بـذكرى اكتشاف الراديو حيث قال:
(اليوم تقوم البحرية الأمريكية بتجارب تخاطرية على متن غواصاتها الذرية لقد أجرى العالم السوفيتي عدداً كبيراً من الاختبارات التخاطرية المتحدة منذ ربع قرن من الزمن، أنه لمن الضرورة الملحة أن نتخلص من أحكامنا المسبقة أن علينا أن ننكب من جديد على اكتشاف هذا الميدان ذي الأهمية الحيوية).
من هناك كانت البداية الجديدة لدخول المسوفيت إلى أبحاث الباراسايكولوجي ولذلك نرى أنه بعد تصريح فاسيليف الخطير والذي قال فيه (إن اكتشاف الطاقة التي يمثلها الإدراك فوق الحسي سيكون له من الأهمية بمقدار ما كان لاكتشاف الطاقة النووية) بعـد هـذا التصريح بسنة أنشأت جامعة لينينغراد أول قسـم للتخاطر هي : الفيزيولوجيا في جامعة لينينغراد وحائزاً على جائزة لينين.
ولعل أنضج التجارب التي يرويها علمـاء الباراسايكولوجي في جانب تجارب جامعة ديوك التي قام بهـا رايـن في قسم الباراسايكولوجي حيث صمم أوراق (زنر) الخمسة المعروفة (دائرة مربع، نجمة خطوط متموجـة) وأخرى تجارب على أشخاص ليرى مدى استطاعتهم معرفة الرموز دون رؤيـة البطاقات وكان من بين الأشخاص الذين أجراها عليهم طفلة في التاسعة مـن عمرها استطاعت أن تعرف الخمسة والعشرين رمـزاً المخفية إلا أن حالات النجاح كانت فردية، وبقي يجري التجارب لمدة أربعين عاماً مستنتجاً أن هناك طاقة أو قدرة للتخاطر لا يتطرق إليها الشك.
لقـد أجريت محاولات عديدة بصدد التخاطر تحت ظروف مدروسة ومنضبطة وذلك لأن العلم الحديث والعلماء بوجه عام يدركون إدراكاً واضحاً أن أكداس الإنسانية معرضة تعرضاً كبيراً إلى عدد من الأوهام يمكن أن تقع فيها، وبالرغم من أن تجارب راين كانت تجارب أكاديمية محصنة إلا أنهـا قـد أشـارت بشكل ما إلى وجود قوة وراء الحس يتمتع بها الإنسان.
وفي جميع أنحاء العـالم اليوم تجري تجارب ودراسات تؤكد جميعها على أن توارد الخواطر حقيقـة يجب الاعتراف بها حتى وأن لم نستطع أن نفسرها علمياً حتى اليوم.
لقد أثبتت بعض الدراسات أن توارد الخواطر يرتبط بإشارات ألفا للدماغ، ويبدو أن الظاهرة تحدث تحت ظروف سيكولوجية معينة كما أن ضغط الدم لدى الشخص يتغير وتتغير سرعة دقات القلب ويتم التوافق بينهمـا لـدى كـل مـن المرسل والملتقي... الخ
مثلما كانت ظاهرة التخاطر من أهم الظواهر الباراسايكولوجية وأوائلها بمقدار الاهتمام الذي أخذته هذه الظاهرة من العلماء، كذلك كانت التفسيرات العلمية التي قدمها العلماء لهذه الظاهرة من حيث الأهمية والكثرة والتنوع، لقـد تذرعت التفسيرات والافتراضـات العلمية لهذه الظاهرة إلى اتجاهـات مختلفة.
فمثلما كان الروس يبحثون عن الأساس المادي لكـل الظواهر الخارقة ومنهـا ظاهرة التخاطر كذلك كان تفسيرهم ينحو منحى فيزياويـاً وكيمياوياً أي مادياً والتفسير الأوربي والأمريكي كان ينحو في البدء منحى روحياً أو نفسانياً باعتبار أن الظواهر الأولى للاهتمام الباراسايكولوجي كانت في أوربا وأمريكـا ذات جانب روحي وسنتحدث عن هذه التفسيرات.
إضافة إلى تفسير هنـدي تطرحه فلسفة اليوغا الهندية التي اهتمت بهذه الرياضة في العصور السحيقة وعادت إليها اليوم بعدما وجدت فيها مسائل عديدة ذات طابع ديني وصحي ورياضي وإذا ما بدأنا بالمدرسة الروسية ذات الطابع المادي في التفسير فسنجد أنهـم بعد إجراء مئات التجارب واستخدام أحدث الأجهزة الإلكترونية توصلوا إلى أن طريقة انتقال الأفكار من شخص إلى آخر لا يمكـن أن تتم بواسطة التموجات الإلكترومغناطيسية لأن هذه التموجات تسير بسرعة الضـوء وتصـل إلى أقصـر مسافة في جزء من الثانية.
أما الدماغ فإنه يمتلك في تموجاتـه قـوة ضئيلة مـن الطاقة الكهربائية لا تستطيع إيصال المعلومات إلا لأمتار معدودة، إذن فإن التموجات المغناطيسية لا تستطيع تفسير سرعة التخاطر وقوته، علماً أن التموج الإلكترومغناطيسي لا يستطيع اجتياز حجـرة (فاراداي) كـمـا أنـه لا يمكـن أن يلحـق الأذى بشخص داخله حتى ولو وجه إليه إشعاع مليون فولت.
لقد طبق الدكتور كوغـان مـدير مجموعة بوبون في الاتحاد السوفيتي والتي تعني بالإعلام الحياتي في الجمعية السوفيتية، العلمية والتقنية للتكنولوجيا الإشعاعية والاتصالات الكهربائية الفيزيائيين فأعتبر أن الجزيئات ما دون الذرية تبقى غير منظورة لكن من الممكـن التعرف إليها واكتشافها من آثارها في حجـرة التـايين.
والتخاطر كظاهرة غير مرئية، لكن هل من المستطاع التقاط أثاره لحظه وصوله إلى الدماغ؟ لهـذا صمم الدكتور كوغان مؤخراً جهاز لرسـم الـدماغ لتسجيل الموجات المخية وطريقـة رياضية جديدة لتحليل الرسوم المخططة على المنحنيات المسجلة وحينمـا طـبـق هذا على المتخاطر نيقولائيف وجد أن جهاز تخطيط المخ رسـم ذبذبات منتظمة من نوع ألفا وهي الذبذبات المميزة لوضعية الراحة.
وحين وصول التخاطر بين شخصين تأكد وجود رسم نحي واحد. وتقول الدكتورة بافلوفـا المشرفة على التجربة أنهم اكتشفوا اشتداداً في النشاط المخي ظهر بعد مدة تتراوح بين ثانيـة وخمس ثواني من بدء التبليغ التخاطري، وتقول أنهم لاحظوا في البدايـة تنشيطاً عاماً غير محدد في الأقسام الجبهية والوسطى من الدماغ.
ولو أننا حاولنا أن نستمر مع التفسير المادي لظواهر التخاطر عنـد كـل العلماء لوجدنا أن هناك من يعتقد أن النوتريثو هو المسؤول عن انتقال الأفكار من موضع لآخر لأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يجتاز حجـرة (فاراداي) الـتي تستطيع إيقاف العناصر ذات الشحنات السالبة والموجبة.
وذلك لأن النوترينو لا يملك أي شحنة ويبدو أنه لا يملك كتلة ولو استمرينا مع هذه التحليلات لوجدنا أن هناك من يقول بأن عقل الإنسان يتموج بشكل خاص قبل الإقدام على أي عمل كإشعال النور مثلاً أو إضاءة التلفزيون ولو وصلنا أجهزة تخطيط الـدماغ بجهاز مكبر لها لرأينا أن التيار العصبي للإرادة الفكرية يستطيع إضـاءة التلفزيـون قبل أن تحاول لمس الزر المناسب لإدارة الجهاز.
وقد سميت هذه الطاقة أو القـوة النفسية (بطاقة سي) وذهب العلماء بعد اكتشاف هذه الطاقة إلى دراستها مادياً فافترضوا أنها كميات من الكوانت تخرج من ذرات الخلايا العصبية وتنتشر في الأثير، ويفسرون انتقال الأفكار عن هذه الطريقة، فإذا أراد أحـد المتخـاطرين إرسال فكرته للغير يستطيع إحياء قسم من الكوانت التابعة لطاقة وإخراجها من تياره العصبي، وعندما يلتقطها الوسيط الآخـر يحي بـدوره معنى الكوانتـا بشكل تيار الكترومغناطيسي يسير في الأجهزة العصبية ويصـل أخيراً إلى العقـل الظاهر الذي يفسر المعنى الموجود ضمن خلاياه.
تعليقات
إرسال تعليق