/> الرياضات الروحية سؤال وجواب

القائمة الرئيسية

الصفحات

اهم المواضيع

الرياضات الروحية سؤال وجواب

سؤال

ما معنى الرياضة الشرعية عند المرتاضين وكيف أستطيع ممارستها الرجاء توضيح بعض الرياضات الشرعية؟

جواب

الشيخ السند حفظه الله تعالى: «الرياضة الشرعية عرفت في لسان الكتاب والسنة بالتقوى والتزكية والـورع، وهو إتيان الواجات وترك المحرمات، وهناك درجة أخرى وهي الالتزام بالمندوبات وترك المكروهات الشرعية، وهناك درجة ثالثة وهي التحلي بالصفات الفاضلة وقلع صفات الرذيلة، وتولي أولياء الله تعالى وحججه والتبري من أعدائهم، وعلى كل تقدير فإن الالتزام بالنوافل لا سيما صلاة الليل والتهجد في السحر والاستغفار والتعقيبات بعد الفرائض وكذلك نوافل الظهرين التي أطلق عليها صلاة الأوابين.


ودوام التوجه بالقلب في الصلاة فإن للمصلي من صلاته ما أقبل قبه كما في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام، ودوام مراقبة النفس، والالتفات إلى كيفية صدور الإرادة من النفس، فإن دوام الالتفات إلى النفس باب عظم يولد ملكة الهيمنة والقدرة على ترويض قوى النفس الحيوانية، كما أن دوام قراءة الكتب الأخلاقية وبالأخص الروايات الأخلاقية يورث البصيرة النافذة لتشخيص أمراض النفس ودوائها، كما أن الإحاطة الشاملة بالأحكام الشرعية ضرورية وبالغة الأهمية.


إذ بمعرفة الأحكام يتعرف الإنسان على مواطن رضا الله تعالى عن مواطن غضبه فلا يتخبط عشوائيا تابعا هوى النفس وتسويلات الشيطان باسم الرياضة والتهذيب، فلا يقع في فخ وحبائل الانحراف، كما أن حسن من يعاشره ويصادقه المرء له بالغ التأثير في أخلاقه وبالجملة إن جملة العبادات المندوبة أبواب لترويض النفس، وكذلك الآداب الدينية، ولكل عبادة وأدب نكهة خاصة تؤثر في تزكية النفس ولا يخفى تأثير المعرفة بالله تعالى وبأصول الدين المعرفة الواسعة المبسطة تأثيرها في توليد الصفات الحسنة الجميلة في النفس الإنسانية.

تحمل الرياضات الشاقة

نلاحظ في القيام ببعض الأعمال والرياضات الروحية أنها إذا كانت أثقل من قابليات النفس والبدن، فإنها قد تسبب إعاقة أو شللا أو لا أقل من خلل جزئي في البدن أو النفس أو آلام وأوجاع في الرأس أو سائر أعضاء البدن، أو تحدث له حالة من الاختلال في الأعصاب أو الغرائز أو القوى النازلة، أو أن يصاب بصدمة فيبتلى بمرض السكري كما في الأخبار المفاجئة بالمصيبة، أو قذ يصل الخلل إلى ما فوق البدن فيحصل خلط في عقله بأن يهذي ونحوه.


وعموما إن الأعمال والرياضات الروحية إذا كانت أثقل من قابليات البدن والنفس فإنها قد توجب صدمة وخللا في البدن وقواه والنفس وقواها وسبب ذلك آنه ليس كل روح وبدن لها قابلية تحمل كل شيء، فإذا حملتها فوق طاقتها فإنها ستصاب ببعض الخلل والإعاقات فإن الأبدان والغرائز والنفوس تختلف في قابلياتها.


ورد في وصف صلاة الليل:( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا) المزمل 1-6


وقوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) الاسراء 79


فقيام الليل والتهجد فيه عبادة توسع قابلية الروح للاسترفاد من فيوضات المراتب العالية؛ ولذا فسيد الأنبياء بما له من عظمة إذا أراد تلقي القرآن الكريم الذي وصف بأنه «قول ثقيل» فلا بد أن يروض نفسه ويعدها ولذا فإن بعض المراتب لا يوصل إليها إلا برياضات صعبة وشاقة، حتى أن تصور تلك الرياضات والعبادات يوجب استثقالا في النفس، فضلا عن القيام  بها كبعض أعمال ليلة القدر، ويوم عرفة وليلة عيد الأضحى من أذكار وختومات وصلوات ونحوها لا يستطيع الكل أن يأتي بها بل يثقل على البعض تصورها.


إن القابليات في الأبدان والغرائز والنفوس مختلفة، وعليه فتحملها لما يأتيها ويرفدها من المراتب العالية سيختلف، والأمثلة على ذلك عديدة. منها: ما روي أن شخصا جاء لسيد الشهداء فساله عن بعض فضائلهم.


فقال له: «لا تقدر على تحمل ذلك» فألح عليه ولو بكلمة، فهمس الإمام تجي في أذنه فابيض رأس الرجل ولحيته، فبدنه لم يتحمل كلمة واحدة من فضائلهم حتى ابيض شعر رأسه ولحته.


ومنها: ما روي في مرور الإمام الصادق (عليه السلام) بجبل الكمد مع أحد أصحابه، يقول عبد الله بن بكير الأرجاني:( صحبت أبا عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة من المدينة، فنزلنا منزلا يقال له: عسفان، ثم مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش، فقلت له: يا ابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق مثل هذا، فقال :«يا ابن بكير أتدري أي جبل هذا؟ قلت: لا، قال: هذا جبل يقال له الكمد، وهو على واد من أودية جهنم وفيه قتلة أبى الحسين (عليه السلام) استودعهم فيه، تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصديد والحمم والرواية طويلة يصف فيها الإمام أنواع العذاب ومن يعذب في هذا الجبل من فلان وفلان وأنهما يستغيثان به، فساله الراوي: جعلت فداك اتسمع ذاك  ولا تفزع، قال: «يا ابن بكير، أن  قلوبنا غير قلوب الناس، إنا مطيعون مصفون مصطفون، نرى ما لا يرى الناس ونسمع  ما لا يسمعون).


فالأوعية مختلفة والقلوب والنفوس مختلفة في القابلية سعة وضيقا، وهذا هو الذي يسبب التحمل أو عدمه.


ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في سبب بطنته :(وأما كبر بطني فإن رسول الله صل الله عليه واله علمني بابا من العلم ففتح لي ذلك الباب ألف باب فازدحم العلم في بطني فنفجت عنه عضوي) والحديث وإن لم يقبله  البعض ولكن ليس فيه أمر غير معقول، فتأثير الجوانب الروحية على البدن ليس ممتنعا ولا غريبا.


بل إن العديد من أهل المعنى لم يصلوا إلى بعض المراتب إلا واصابتهم رعشة في اليد أو في البدن، أو سماجة وغلظة وحدة في الحلق، نعم التأثر إلى هذا الحد إنما هو في غير المعصومين عليهم السلام ولكن فيهم فالأمر يختلف.

تعليقات