/> مخاطر الافراط في الرياضات الروحية

القائمة الرئيسية

الصفحات

اهم المواضيع

مخاطر الافراط في الرياضات الروحية

 الرفق في الرياضات الروحية

ومن الوصايا النبوية المهمة المرتبطة بهذا الباب هو ضرورة التدرج والرفق في الرياضات الشرعية، روى الكليني بإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: «يا علي إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، فإن المنبت (يعني المفرط) لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع . فالمسرع بالدابة، سيتلف الدابة ولا يقطع شيء من الطريق، ولا يصل إلى مقصده وغايته.

وهذا البدن، وما فرقه من الأبدان الأثيرية وغيرها وحتى النفس إنما هي دواب يركبها الإنسان، فالنفس أيضاً ليست هي حقيقة الإنسان، وإنما هي دابة للإنسان، كما في التعبير النبوي: «والنفس مثل أخبث الدواب، فإن لم تعقل حارت» أو كما في التعبير العلوي: «إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر.


ففي كل عالم الحيوان لا تجد في الخبث مثل نفس الإنسان (لا عقله وقلبه وروحه) وليس المراد أن النفس لا تكون طاهرة أو خيرة أو مطمئنة، وإنما خثها من عدة جهات:


منها: أن النفس بطبعها ذات غرائز، ولو لم تهذب وتعقل بعقال العقل ولم تروض ستكون أخبث الدواب.


ومن جهة أخرى فإن فيها بهيمية وغلظة وشدة وشره ونهم؛ ولذا وصفت في النبوي «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك» فأعدى الأعداء ليست الزوجة ولا الصديق ولا العدو المتربص بلهي نفسه التي بين جنبيه، فإنها لو تركت وغرائزها لألقت الإنسان في المهالك والمهادي.


ولكن مع ذلك فإن النفس دابة لا بد للإنسان أن يستثمرها ولا يفرط فيها ولا لها، وهذه من الموازنات الصعبة؛ لآنه إذا زاد العبء عليها أو أثقل عليها فإنها ستنفر وتستعصي وتتحطم وتهلك، وسيفقد الإنسان فرصة السير في التكامل فلا يستطيع أن يأتي بعبادة ولا أن يتلقى المعارف والعقائد أبدا، ومن جهة أخرى يجب أن لا يترك حبل النفس على غاربها مع ما فيها من الغرائز، بل الواجب هو التوازن والاعتدال في التصرف مع النفس، وهذا هو ما تعبر عنه الوصية النبوية: «فأوغل فيه برفق».


فللنفس إقبال وإدبار، تقبل في بعض الحالات على العبادة والاجتهاد وتدبر في بعفى الحالات عنها، والمهم هو السير معها بميزان من الحكمة والسياسة حتى لا يفرط في طاقتها، ولا يشدد عليها فيوجب نفرتها؛ ولذا ورد في الوصية النبوية: «إذ للقلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة  فالنفس تحتاج إلى وقت استراحة، ومن الخطأ أن تحمل في وقت راحتها على العمل والجهد وإلا فستنفر؛ ولذا في حين التوصيات الأكيدة القرآنية والروائية بعدم الاستجابة لرغبات النفس وعدم الانقياد لها، وردت توصيات أخرى في عدة موارد بالاستجابة للنفس وإعطائها رغتها"، حتى لا تتحكم وتهلك.


فللروح لياقات وقابليات، وهذه اللياقة والقابلية لم تتحصل دفعة وإنما في جسم الرياضي، فإنها تحتاج لفترة حتى حصلت بالتدريج، كاللياقة البدنية تحصل؛ وقد يترك التمرين الذي يحافظ على تلك اللياقة فيحصل تقهر فيها، فإرجاع تلك اللياقة للأبدان يكون أيضا بتدرج وتكامل تدريجي، وقد ورد: «وتخير لها من كل خلق أحسنه، فإن الخير عادة» وإن الخير عادة والشر لجاجة»" «عودوا أنفسكم الخير).


ويتلخص مما تقدم أن البدن والنفس وقراها لها قابلية وسعة معينة ومحدودة، ولا يمكن أن يحاسب تكامل النفس والبدن بحساب قدرة وقابلية المراتب العليا، فتنوع التكامل يختلف بحسب اختلاف المراتب. بل قد نجد أن البعض قد يكون فاقدا لأي مهارة في المراتب الدنيا، ففي المهارات البدنية مترجل جدا، ولكنه من جهة القدرات العلمية ومهاراتها متبحر وضليع ومتمرس، فالمراتب في الذات متعددة والكمالات متفاوتة.



تعليقات